خطر الكورونا والحرب في سوريا
المنصّة المدنيّة السّوريّة
يبدو اليوم أنّ العالم صغيرٌ جداً أمام خطر هذا العدو الخفيّ على حدّ وصف الرّئيس الفرنسيّ ماكرون، فسرعة وطريقة انتشار هذا الفيروس وعدم وجود علاجٍ له حتى الآن جعلته يتصدّر قائمة أخطر الفيروسات في العقود الأخيرة الّتي تواجه البشريّة، تهديده للأمن العالميّ دفعت الدّول إلى اتّخاذ إجراءاتٍ مشتركةٍ للوصول إلى حلولٍ مشتركةٍ تجنّب شعوب العالم هذه الكارثة الوبائيّة.
وضمن جهود محاولة منع انتشار كورونا؛ قامت بعض الحكومات بإعلان حالة الطوارئ الصّحيّة إلى أقصاها، وأغلقت حدودها، واستنفرت جميع مواردها الطّبّيّة والوقائيّة لحماية مواطنيها وإنقاذهم، بالمقابل هناك دولٌ كثيرةٌ مازالت تتعامل مع الكورونا بشكلٍ لا مسؤولٍ، وتنكر وجوده مثل الحكومة السّوريّة، رغم وجود الكثير من التّقارير الّتي تشير إلى انتشاره في بعض المحافظات في سوريا، وعلى الجانب الآخر فإن الأطراف الأخرى في سوريا مازال تعاملها لا يرقى إلى مستوى الخطر الّذي يهدد السّوريين.
سوريا الّتي مزّقتها الحرب الدّاخليّة وحوّلتها إلى كياناتٍ متصارعةٍ ومعزولةٍ بعضها عن بعض عن العالم، وتعاني من ظروفٍ اقتصاديّة صعبةٍ بسبب الحرب الّتي استنفذت مواردها، والحصار المفروض على حكومتها، والنّظام الصحيّ شبه المتهالك؛ استهلك في المجهود الحربيّ. هذه الظّروف تضع المدنيين أمام خطر الإصابة بفيروس كورونا، ورغم مخاطر هذا الفيروس تستمر أطراف الصّراع في حشد جهودها العسكريّة، والاستمرار في صراعها العنيف، وخاصّة في الشّمال الغربيّ؛ لذلك نطالب جميع الأطراف بإيقاف عملياتها العسكريّة، وإعلان هدنةٍ طويلةٍ، وتوحيد الجهود في سبيل مواجهة انتشار الفيروس، وخاصّة في مخيمات النّازحين.
يحاول علي الّذي يعيش مع والديه المسنين في مخيمات أطمة للنازحين في الشّطر السّوريّ القريب من الحدود الترّكيّة نقل رسائل تحذيريةٍ حول وضع المخيمات وقدرتها على تحمل عدوى انتشار الفيروس بين مئات الآلاف من النّازحين مع قلّة الخبرة، أولاً في التّعرف على المرض والتّمييز بينه وبين الإنفلونزا العادية، وثانياً ضعف القدرة على تقديم العلاج والحجر الصّحيّ اللازمين، وقلّة المستوصفات والكوادر الطّبيّة و شحٍّ في الموارد والأدوية العلاجيّة، و يختم علي رسائله متسائلاً؛ هل سيكون شقيقه التّوأم بلال المعتقل مع عشرات الآلاف في سجون النّظام بمأمنٍ من الإصابة بفيروس كورونا، والجميع يعلم حجم الانتهاكات الصّحيّة في السّجون المزدحمة، وأخيراً كم أتمنّى أن تلقى نداءاتنا اهتماماً واستجابةً بحجم المخاوف والمعاناة.
أما عن الشّمال الشّرقيّ من سوريا؛ والّذي تسيطر على أجزاءٍ منه الفصائل المعارضة بين “تلّ أبيض ورأس العين” والبقية تحت الإدارة الذّاتيّة، فالوضع أسوأ بسبب وجود الأعداد الضّخمة من النّازحين، ودمار معظم المستشفيات والمراكز الصّحيّة، وغياب الكوادر الطّبيّة، والأدوية العلاجيّة، والإرشادات الوقائيّة.
كما وتروي شهباز عن مخاوفها؛ وتقول: أنا حالياً أقضي أغلب وقتي فوق سطح المدرسة، مدرسة تلّ تمر الإعداديّة، بعد نزوحنا من مدينة رأس العين خوفاً على أطفالي مما يسمونه داء كورونا، لحمايتهم من الاختلاط ونقل العدوى المميتة كما أتابع على الفيسبوك. نحن حالياً أكثر من أربعين عائلةٍ نعيش داخل المدرسة في الصّفوف كلّ عائلةٍ أو عائلتين في غرفةٍ، والمرافق الصّحيّة مشتركةٌ ومهترئةٌ جداً، حتى أنك لا تستطيع تنظيفها بسبب الازدحام لذلك قرّرت النّجاة بعائلتي والبقاء معظم النّهار فوق سطح المدرسة، بعيداً عن الناس لربّما ينتشر المرض، فلا يوجد مستشفيات أو مراكز صحيّةٍ قريبةٍ، ومدينة الحسكة بعيدةٌ ولا أستطيع العيش فيها بسبب الغلاء، لذلك أحاول حماية أطفالي لوحدي بعد وفاة زوجي أثناء النّزوح بسبب الحرب، كما أتمنّى لو أستطيع السّفر واللّجوء إلى أوربا فقط من أجل مستقبل أطفالي .
لذلك نتوجه إلى الإدارة الذّاتيّة وإلى جميع القوى الّتي تسيطر على الشّمال الشّرقيّ، لتكثيف الجهود والتّعاون فيما بينها لمواجهة خطر انتشار الكورونا وتحمل مسؤوليتاهم الاجتماعيّة تجاه المواطنات والمواطنين فيها.
أما في مناطق سيطرة الحكومة السّوريّة؛ فمازالت الحكومة تستمر في إنكار وجود الفيروس، وتستمر في حشد جهودها الحربيّة مع حلفائها، ومازالت حدوده البرّيّة والبحريّة مفتوحةً أمام الخارجين والدّاخلين، لذلك فإننا نطالبها بالتفكير في العدول عن سلوكها والسّعي إلى الوصول إلى هدنةٍ طويلةٍ لمواجهة الكورونا واتخاذ كافة الإجراءات والتّدابير لحماية السّوريين، ومنها إغلاق الحدود وخاصّة من وإلى إيران الّتي تشكل ثالث بؤرةٍ لانتشار الفيروس في العالم.
واليوم نرى أن من واجب جميع الأطراف المحليّة تحمل كامل مسؤولياتها تجاه مواطنيها، والعمل معاً على تثبيت وقف إطلاق النّار، والقتال بين جميع الأطراف بشكلٍ جديٍّ، وزيادة التّعاون فيما بينها، والتّخفيف من قبضة الحواجز الّتي تمنع التّبادل الصّحيّ بين مناطق السّيطرة المختلفة.
كما نناشد الأطراف الدوليّة المنخرطة في الصّراع بالعمل على دعم جهود إنجاح الهدنة وزيادة التّعاون، ووقف توريد السّلاح والعتاد والترّكيز على استغلال إمكانياتها لمواجهة خطر الكورونا.
معاناة السّوريين تمتد إلى خارج حدودها وتحديداً في مخيمات اللّجوء وفي دول الجوار حيث يعيش السّوريون ظروفاً قاسيةً منذ سنوات، ويعانون اليوم من ضغوطاتٍ مختلفةٍ من قبل بعض الحكومات لإجبارهم على العودة ومع انتشار الكورونا في هذه الدّول فإنّ اللاجئين يشكلون الحلقة الأضعف.
حيث يراقب اللاجئون من مخيماتهم بقلقٍ شديدٍ تطور انتشار فيروس كورونا، وسرعة انتقاله من بلدٍ لآخر، وعدم قدرة أكثر البلدان المتقدمة بنظامها الصّحيّ من السّيطرة عليه، أو الحدّ من سرعة انتقاله، فكيف هي الحال إذا ما وصل إلى مخيمات النّزوح واللّجوء المعدومة والهشة، كما يصفها إبراهيم. إبراهيم الشابّ الّذي يعيش مع زوجته وأطفاله السّتة داخل مخيم البقاع ضمن خيمةٍ من مئات الخيم المتلاصقة والمكتظة بالنّازحين، مع غيابٍ شبه تامٍ للمراكز الطّبيّة، والمرافق الصّحيّة، وأدوية التّطهير والتّعقيم، والنّشرات التّوعويّة، كما وتضيف مريم زوجة إبراهيم الّتي تعمل قابلةً قانونيّةً؛ أنها تعيش مع أغلب الناّزحين حالةً من الرّعب والهلع الشّديدين من خطر انتقال عدوة الفيروس لداخل المخيم، وخصوصاً بعد تسجيل العديد من حالات الإصابة في المدن والبلدات اللّبنانيّة، كما وتنتقد مريم إجراءات الحكومة بمنع تنقل النّازحين، ووضعهم تحت الإقامة الجبريّة، وتكثيف الحراسة والدّوريات العسكريّة في محيط المخيمات دون وضع أيّ خطةٍ أو القيام بإجراءاتٍ استباقيةٍ للحيلولةٍ دون وقوع الكارثة وانتشار الوباء القاتل.
– ونتوجه إلى منظمة الصّحة العالميّة للإشراف على مخيمات الناّزحين واللاجئين وندعو حكومات دول الجوار من سوريا، لمراقبة وضع اللاجئين صحيّاً، وتقديم الدّعم المطلوب وتجهيز ودعم المخيمات بالمستوصفات الثّابتة والمتنقلة مختصة عن الكشف المبكر لفيروس كورونا.
وفي ظلّ انشغال العالم في مواجهة خطر الكورونا؛ فإنّ المجتمعات والدّول الهشة عرضةٌ للنسيان من قبل الهيئات والمؤسسات الدّوليّة العالميّة، والحكومات الدّوليّة، وفي ظلّ استمرار العقوبات الاقتصاديّة والحصار، نتوقع زيادة الوضع لكارثةٍ كبيرةٍ لذلك تناشد المنصّة المدنيّة السّوريّة المجتمع الدوليّ، ومنظّمة الصّحة العالميّة؛ الاستجابة السّريعة لنداءات النّازحين واللاجئين حول مخاوفهم من خطر انتشار فيروس كورونا، واتخاذ الإجراءات الوقائيّة اللازمة لمراقبة الأوضاع الصّحيّة، وتقديم الدّعم الطّبيّ الكافي للمستوصفات والنّقاط الطّبيّة، وتشكيل فرقٍ محليّةٍ تعمل على نشر الوعي حول طرق الوقاية وتجنّب الإصابة والضغط على حكومات دول الجوار من سوريا؛ لبذل جهودٍ واهتمامٍ كافيين يطمئن عموم النّازحين في مخيمات اللّجوء المنتشرة داخل وخارج سوريا.
وأخيرا نتوجه إلى المجتمع الدّوليّ وهيئاتها بإعادة النّظر في العقوبات المفروضة على سوريا على قطاع الصّحة وعلى القطاعات الأخرى، مثل قطاع الوقود الّتي تحتاجها المشافي للعمل ويجب أن تكون هذه الاستثناءات تحت إشراف أمميٍّ صارم من أجل عدم استغلالها.