5 تشرين الأوّل 2018
لايزال الحديث عن إعادة اللاجئين السوريين تأخذ تداعياتها في أروقة الحكومة اللبنانية، والسياسيين اللبنانيين، وبطبيعة الحال اللاجئين السوريين المعنيّين في الأمر.
برز التوجّه الحكومي في لبنان بشكل واضح مع تصريحات الرئيس اللبناني ميشال عون لسفراء دول مجموعة الدعم الدولية للبنان في حزيران 2018 “، إن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم لا يمكن أن تنتظر الحلّ السياسي للأزمة السوريّة، وأضاف: إن إمكانات لبنان لم تعد تسمح ببقاء اللاجئين إلى أجل غير محدّد، مشيرا إلى أن عودتهم باتت ممكنة على مراحل إلى المناطق التي باتت آمنة في سورية“.
وترافقت هذه التصريحات مع جدل واسع بين الخارجية اللبنانية ومفوضية اللاجئين. حيث اتّهمت الخارجية اللبنانية مفوضية اللاجئين بالعمل على عرقلة عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم. وتطوّر الجدال لإيقاف استقبال طلبات الإقامة للعاملين في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من قِبَل وزارة الخارجية اللبنانية.
حيث أبرزت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين خطورة العودة العشوائية للاجئين إلى مناطق ما زالت غير آمنة، مطالبة الحكومة اللبنانية بالتعاون في “مجال تأمين الرعاية اللازمة للهاربين من ديارهم من العنف”. ونفى الناطق باسم المفوضية في جنيف ويليام سبيندلر أن تكون المنظمة تعمل على “إعاقة عودة اللاجئين إن كانت خياراً شخصياً”، مضيفاً: “وجهة نظرنا، فإن الظروف في سورية ليست مواتية بعد للمساعدة على العودة برغم أن الوضع يتغيّر”.
وعلى مستوى البلديات اللبنانية بات من المعتاد مشاهدة لافتات في الطرقات تدعو اللاجئين للعودة، أو زيارات من قبل أشخاص نافذين بمناطقهم للاجئين للعودة، ويغرونهم بتحسّن الأحوال والأمان في سورية.
ويترافق كل هذا الجدل السياسي والقانوني مع تصاعد خطاب العنصرية والتهديدات والتضييق الذي يتعرّض له اللاجئون في لبنان؛ حيث تمّ تسجيل العديد من الحوادث، مثل قيام بلدية برج حمود وبلدية النبعة بإغلاق محالّ السوريين كنوع من التضييق على العمل، بالإضافة لمضايقات متعلّقة باستصدار إقامات قانونية، وتلك المرتبطة بالحصول على الخدمات الأساسية كالصحّة والتعليم.
نتائج التوجّه الحكومي اللبناني:
شهد لبنان عودة عدّة دفعات من اللاجئين السوريين في لبنان إلى سورية، كان آخرها في 1-10-2018 من طرابلس إلى حلب، في حين أن باقي الدفعات توجّهت للقلمون وريف دمشق، وماتزال الأعداد بين 200 – 3000 شخص في الدفعة الواحدة، التي تنظّمها بشكل أساسي دوائر الأمن العام اللبناني ومكاتب لحزب الله. وتثير الأخبار المتداولة عن بعض اللاجئين الذين دفعتهم الظروف للعودة القلق والمخاوف من العودة إلى سورية؛ ومن الشهادات المروية عن الأشخاص الذين عادوا إلى سورية:
- يروي (أ.ش) نحن من حلب في ريف دمشق، وأخي أبو محمود هرب بعائلته إلى لبنان منذ حوالي خمس سنوات بسبب الحرب، وعمل في مشغل خياطة، لا يتعاطى السياسة ولا يتدخّل بأي شيء ممكن أن يضرّ عائلته، تلقّى وفاة أحد أخوتنا بمرارة وقرّر المجازفة بالعودة عبر المصالحات إلى سورية؛ ليحضر مراسم الدفن والعزاء وليعود ويجلب عائلته، إذا كانت الأمور استقرّت حسب ما أخبرنا، وهذا ما حدث، حيث أجرى المصالحة على الحدود ودخل وشارك بالمراسم، وعند عودته اعتُقل على الحدود وبعد 20 يوم جاءنا خبر وفاته.
- تقول (ن.ع) إن زوجها ح ع سجّل على العودة إلى القلمون من خلال لجان المصالحة، ليعودوا إلى قريتهم مع أطفالهم الخمسة، والذي يبلغ أصغرهم 48 يوماً فقط، إلى قريته فليطه، وبعد وصولهم إلى بلدته بثلاثة أيام أتى ثلاثة رجال في الليل بعد الثانية عشرة منتصف الليل، دقّوا الباب، ندهو باسمه، وعند خروجه أطلقت عليه طلقات نارية، وأصيب، ولو أُسعف على مشفى كانت كتبت له الحياة، ولكن تُرك ينزف حتى فارق الحياة. وبعد قتله تذرّعوا أن السبب هو دين عليه، وثأر لهم عنده، ولكن الحقيقه غير ذلك، ولم تأتِ الشرطة أو الأمن للتحقيق في حادثة القتل. ولا تعدّ هذه الحالة الوحيدة التي وُثّقت في فليطة.
- وأيضاً (و.ب) الذي تزيد عدد سنوات إقامته في لبنان على خمس سنوات، سجّل على العودة إلى القلمون، ومن خلال التنسيق بين البلدية والأمن العام اللبناني عاد مع زوجته وأطفاله مع الدفعة الثانية بتاريخ 7 تموز، 2018، وبمجرّد وصوله إلى قريته أحرق الشبيحة سيارته في قريته فليطة، وهي من نوع شحن كبيرة وفي اليوم الثاني في يبرود تعرّض للدهس من قِبل سيارة مجهولة، بعدها عُرف أنها تابعة لشبيحة النظام، ويُذكر أن وضعه الصحّي سيّء جداً، وهو في المشفى، ومرة أخرى لم تتدخل الجهات الأمنية أو الشرطة للتحقيق ومحاسبة المعتدين.
في خلاصة كل هذه القوانين والإجراءات الجديدة؛ يبقى اللاجئ السوري عالقاً بين مصير مجهول في حال عاد إلى منزله، وبين إجراءات تمييزية يواجهها يومياً من قِبل المؤسّسات الحكومية اللبنانية.
ولا بدّ أخيراً من التركيز على نقطة أن وجود المواطن السوري في لبنان ما هو إلّا لجوء اضراري بسبب الحرب الدائرة، والخوف من الاعتقال والتصفية في أية لحظة.
وعليه نأمل في المنصة المدنية السورية من الحكومة اللبنانية أن تحسِن استضافة اللاجئين، وتعمل على وقف خطاب الكراهية، ومحاسبة المنتهكين لحقوق اللاجئين، وتقديم تسهيلات لاستصدار إقامات قانونية، وتقديم الخدمات الأساسية، وخصوصاً الصحّة والتعليم.
ونطالب الجهات الدولية بضرورة حماية اللاجئين وتخفيف الضغوطات عليهم، سواء كانت اقتصادية أو تعليمية أو أمنية. ونشدّد على العودة الطوعية الآمنة الكريمة بعد انتهاء الحرب وبضمانات أممية تحت إشراف الأمم المتحدة.
كما نجدّد تأكدينا على أن عودة اللاجئين يجب أن تكون مقرونة بحلّ سياسي شامل يؤمّن للاجئين الأمان، ويوفّر الظروف الأساسية للعيش حين عودتهم.