20 شباط 2019

منذ تطبيق اتّفاق التهجير بين الروس والفصائل المسلحة في حمص وتسليم المنطقة للنظام، يعيش الأهالي هاجساً أمنيّاً بسبب عودة قبضة الأجهزة الأمنية والهيمنة على المنطقة، لكن ومع مرور فترة ليست طويلة، بدأت تظهر مشاكل من نوع آخر، وبدأ السكان رحلة معاناة جديدة متعدّدة الأوجه، فلم يعد الوضع الأمنيّ هو الهاجس الوحيد، إذ بات الوضع الاقتصادي والمعيشيّ منافساً له.

رصدت المنصّة المدنية السورية في هذا التقرير أوضاع السكان في حمص والمهجّرين منها إلى الشمال، في محاولة لإيصال معاناتهم إلى صانعي القرار.

مقدّمة:                                           

شهدت حمص كما غيرها أحداث عنف شديد منذ بدء الحراك الشعبي في 2011، وفي بعض الحالات كان لموجات العنف الحاصلة صبغة طائفية نظرا للخليط الاجتماعي الموجود في المحافظة. كان يقطن المحافظة في بداية عام 2011 ما يقارب من مليون نسمة، شهدت المحافظة نتيجة أعمال العنف هذه موجات نزوح ولجوء كبيرة، بالإضافة إلى تهجير وفق اتّفاقات بين النظام السورية وفصائل المعارضة، والذين بلغت أعدادهم حوالي 35.648 نسمة وفق إحصاءات وحدة تنسيق الدعم؛ باتجاه الشمال السوري.

أمّا فيما يخصّ وجهة التهجير والنزوح، فيُذكَر أن الريف الغربي لحمص (القُصير وما حولها) مهجّر بالكامل، وكذلك معظم أهالي مناطق حمص التي خرجت ضد النظام مبكّراً، مثل الخالدية والقصور وبابا عَمْرو والبيّاضة وغيرها. أمّا وجهة النزوح فكانت باتجاه مناطق شمال سوريا مثل (إدلب، جرابلس، عفرين، وريفها واعزاز).

ثانياً- المشكلات التي يعاني منها السكان:

  • المدنيّون/ات الذين بقوا في مناطقهم:
  • الغالبية العظمى من السكان بدون عمل، وبدون أي مورد اقتصادي؛ كما أن الفئة المعيلة والقادرة على العمل (إن وُجدت)، يتمّ سوقها إلى التجنيد الإلزامي، ممّا شكّل عبئاً إضافياً على الأسر، يُضاف إلى ذلك التهديد على حياة شباب هذه الفئة؛ بسبب فرزهم إلى جبهات قتال ساخنة.
“( س ) امرأة شابّة وأمّ لطفلين اضطرّت هي الأخرى للقيام بأعمال لا تتناسب مع تكوينها الفزيولوجي؛ بسبب سَوق زوجها إلى التجنيد الإجباري.”

وعلى شباب هذه الفئة التي تمّ سوقها إلى التجنيد عدم عودتهم إلى أهلهم بسبب سوقهم إلى مناطق الجبهات في المناطق الساخنة حيث تعتبر حياتهم مهدّدة بنسبة كبيرة.

  • هنالك تخوّفات لدى السكان من مغادرة مناطقهم لتخوّفهم من الاعتقال وخاصة في ظلّ عدم معرفتهم تفاصيل الاتّفاق الأخير بين الفصائل المعارضة والنظام بضمانة الروس.
  • لا تزال الاعتقالات جارية من قِبَل أجهزة النظام الأمنية، كما أن بند تأجيل الطلاب المنقطعين لم يُطبّق، وأيضاً بند إعادة الموظفين المفصولين لم يُطبّق.
“ابو صالح من المدنيين يقول الوضع المعيشي والخدمي مزري، وتأمين رغيف الخبز وماء الشرب ومواد التدفئة بات عبئا ثقيلا على الأهالي؛ في ضل عدم توفرها وغلاء اسعارها وغياب مصادر الدخل عن اغلب الاسر التي ارقتها سنين الحرب.”
  • الخدمات الأساسية متردّية، فالكهرباء تنقطع لأكثر من 12 ساعة يومياً، والمياه تأتي يوماً وتنقطع 3 أيّام في اغلب مناطق حمص.
  • يعاني أهالي حمص وريفها من غلاء الأسعار وقلّة الدخل، حيث أن سعر كيلو غرام الخبز يتجاوز الـ 500 ل.س، والسكر 400 ل.س، زيت الزيتون 2500 ليرة سورية، أمّا أسعار المحروقات 600 للديزل، والغاز وصل إلى 000 ليرة سوريّة إن توافر، وحتى مادة الحطب الرخيص نسبيّاً غير متوفّرة.
  • المدنيّون/ات الذين اضطرّوا للخروج من مناطقهم إلى الشمال السوري:
“أبو خالد من الذين تمّ إخراجهم في قوافل التهجير الأخيرة من حمص وانتهى به المطاف إلى إحدى قرى ريف عفرين، يقول أبو خالد إنه يبحث عن عمل ليل نهار يسدّ به رمق عائلته؛ لكنه غالباً يصطدم برفضه كونه مهجّراً، وتارة لعدم توافر فرص العمل أصلاً.”
  • أمّا بالنسبة للذين نزحوا فيعانون من انعدام فرص العمل، وقلّة الدعم المقدّم من المنظمات الدولية والمحلية، ويعانون من قلّة البيوت القابلة للسكن، وغلاء إيجارها في حال توافرت، حيث يتراوح إيجار المنزل بين 150 إلى 200 دولار أمريكي وهو مبلغ كبكبير جداً بالنسبة للنازحين.
“أمّ عصام ممّن هُجّروا مع عائلتها من حمص، حيث اضطرّت لترك زوجها وحيداً، وعادت إلى أهلها في حمص بسبب الأوضاع المعيشية والأمنية المتردّية في الشمال السوري.”
  • العديد من النازحين/ات لجؤوا إلى المخيّمات الموجودة في ريف عفرين، كمخيّم جنديريس، والبعض سكن في منازل مستأجَرة، أو من التي هجرها أهلها بسبب المعارك التي حصلت في عفرين مؤخّراً بعد الحملة العسكرية التركيّة عليها.
  • كما يعاني السكان هنالك من انخفاض مستوى الأمن، الأمر الذي يزيد من معاناة المدنيين. 

وعليه.. فإن المنصّة المدنيّة السوريّة، ومن خلال رصدها ومراقبتها للأوضاع في حمص ما بعد الاتفاقية؛ ترى:

  • لم يتمّ الالتزام بتطبيق كافة البنود المتّفق عليها، كما لم يتمّ تنفيذ التعهّدات التي ضمنها الطرف الروسي. وهذا يشير إلى أن اتفاقية حمص وغيرها من الاتفاقات الأخيرة، ماهي إلا شكل من أشكال حماية مصالح الأطراف المتفاوضة بدون أي مراعاة أو تضمين لمصالح المدنيين.
  • وضع مهجّري حمص في داخل حمص وخارجها، هو وضع جميع السوريّين في كافة الأراضي السوريّة وتحت مناطق السيطرة المختلفة، حيث إن استمرار الحال على ما هو عليه، من وضع اقتصادي متردٍّ ووضع أمنيّ متردٍّ، يجعل من المدنيين ضحيّة للتطرّف، ويعقّد الوضع الاجتماعي في كل المناطق السوريّة؛ إذا لم يتمّ البدء بأخذ خطوات فعلية تجاه تخفيف المعاناة الاقتصادية للسكان من قِبَل المنظمات والحكومات المانحة.

وأخيراً تؤكّد المنصّة المدنيّة السوريّة، أن الضغط تجاه البدء بمسار حلّ سياسيّ فعّال، يشكّل حجر الأساس في حلّ كلّ المشكلات في المجتمع السوريّ.