31 كانون الثاني 2019

دخلت محافظة درعا كغيرها من المناطق السوريّة تحت سيطرة النظام السوريّ بعد التهديدات باقتحامها من قِبَل النظام السوري وحلفائه، وبشكل أساسي الروس، الأمر الذي اضطرّ السكان للخضوع لما سُمّي (بالتسويات) مع وجود ضمانات روسية بعدم التعرّض لهم، ونصّت اتفاقات التسوية على تسليم كافة السلاح الثقيل والمتوسّط، وعدم التعرّض للأشخاص، وإزالة أسماء المطلوبين والمطلوبات، وضمانات بعدم حدوث أي أفعال انتقامية من قِبَل النظام وأفرعه الأمنية وميليشياته.

 تقوم المنصّة المدنيّة السوريّة بإعداد سلسلة من التقارير التي تسلّط الضوء على وضع السكان المدنيين في درعا بعد سيطرة النظام السوري عليها. يحاول التقرير تقديم ملخّص للوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمنيّ خلال الفترة الممتدّة من 10 كانون الأول 2018 وحتى 25 كانون الثاني 2019.

ما ميّز الفترة التي تمّ فيها رصد الأحداث في هذا التقرير تسجيل عودة عدد من العائلات من الأردن، ممّا شكّل ضغطاً جديداً على المناطق الشرقية بالخصوص، كونها الأقلّ تضرّراً من الأعمال العسكرية، ويعود السبب الأساسيّ للعودة إلى تخوّف الناس من ضياع ممتلكاتهم نتيجة وضع يد بعض الأشخاص عليها، ممّا دفعهم للعودة والمخاطرة بعائلاتهم.

أوّلاً- الوضع الأمنيّ:

تميّز الوضع الأمنيّ خلال الفترة التي يغطّيها هذا التقرير بالهدوء النسبيّ؛ مع بقاء بعض حالات الاغتيال لبعض الأشخاص؛ وخاصه في بلدة داعل. يُضاف إلى ذلك ظهور توتّر عام نتيجة قيام الأمن الجنائي بالاعتقالات بناء على طلبات ومذكَّرات جلب، حيث بدأ السكان يرون أن فرع الأمن الجنائيّ ما هو إلا واجهة لتنفيذ أوامر الأفرع الأمنيّة.

من أهمّ الانتهاكات والحوادث التي ميّزت الفترة التي غطّاها هذا التقرير؛ التالي:

  • ميّز الفترة انخفاض في عدد عمليات الاغتيال لأشخاص كانوا ناشطين، حيث سجّل بعض الاغتيالات في داعل وغباغب ودرعا البلد، وأيضا محاولة اغتيال قائد سابق في فصيل أسود السنّة. كما ظهرت عمليات اغتيال لممثّلي المجالس المحلية في المحافظة المحسوبين على النظام؛ حيث تمّ اغتيال رئيس بلدية اليادودة، واغتيال رئيس بلدية المسيفرة، ومحاولة اغتيال رئيس بلدية المزيريب.
  • استمرار ظاهرة الاعتقال لبعض العناصر السابقة في الجيش الحرّ، ولحاملي وحاملات التسويات وخاصّة خارج حدود المحافظة على حواجز درعا الشمالية جهة دمشق والشرقية جهة السويداء، حيث سجّل اعتقال أشخاص من قرى (الحراك و داعل والصورة وكحيل و بصر الحرير)، وكان اثنان من المعتقلين من النساء اللواتي تمّ إطلاق سراحهنّ بعد فترة قصيرة جداً من اعتقالهنّ، حيث تتحاشى حواجز النظام السوري اعتقال النساء؛ تجنّباً لأعمال عنيفة في المنطقة، نظراً لحساسية الموضوع لدى الأهالي في درعا. وأيضاً تمّت مداهمات لبلدة المسيفرة من قِبَل أجهزة النظام الأمنية، واعتقال عدد من الشباب تجاوز 10 معتقلين بحجج مختلفة مثل دعاوي شخصيه أو الانتماء لجبهة النصرة. حيث تتمّ المداهمات بحضور مختار البلدة، تجنّباً لأي احتكاك مع النساء؛ حتى لا يتمّ تصعيد للحساسيّة المجتمعيّة.

كما تمّ رصد استمرار ظاهرة الاعتقالات للأشخاص الذين قاموا بإجراء ما يسمّى (تسويات وضع) مع المؤسّسات الحكومية؛ حتى لا يتمّ التعرّض لهم في حال بقائهم في المحافظة بعد عملية التهجير القسري لعناصر المعارضة باتجاه الشمال السوري.

  • انتشار حوادث الخطف في المحافظة، حيث تمّ تسجيل خطف ناشطين سابقين، وأيضاً خطف اثنين من حرس الحدود التابعين لجيش النظام السوري أثناء نزولهم إلى إجازة. ويُذكر أن العديد من حالات الخطف التي كانت تتمّ تقف وراءها أجهزة الأمن التابعة للنظام السوري، والذي في حال وجود شكوك حول وجود المختطف عند أحد أجهزة النظام السوري، يتمّ التحرّك من قِبَل الوجهاء، والطلب من المسؤولين الروس في المحافظة الضغط تجاه الإفراج عن المختطف. واللافت أيضا هو محاولة النساء السؤال والتقصّي عن أماكن وجود أقربائهم المخطوفين والمعتقلين.
  • ومن الحوادث التي تُذكر هو خطف أحد الأشخاص من قِبَل عناصر الجوية على طريق (الكرك-المسيفره-الغريه)، ممّا أدّى إلى محاصرة نقطة للجوية بالكرك والضغط للإفراج عنه وتسليمه لمختار الكرك.
  • البدء بتسليم أسماء قضَوا تحت التعذيب في المعتقلات لدوائر النفوس في كل من (عقربا، الصنمين، داعل، طفس، درعا).
  • قضاء قائد لواء الكرامة التابع للجيش الحرّ سابقاً محمد رشيد أبو زيد “الملقّب (أبو باسل) تحت التعذيب في سجون النظام، بعد اعتقاله من قِبَل قوات النظام في مدينة دمشق بتاريخ 10 من تشرين الأول من العام الماضي.
  • رصد مداهمات تقوم بها المخابرات الجوية في (محجه، الحميرو، مجيدل) لبعض الأشخاص المحسوبين على النظام، ونشطاء المصالحات، ومصادرة أسلحتهم واعتقالهم.

على مستوى آخر تمّ رصد الأحداث التالية:

  • تعزيز الحواجز على مداخل المناطق التي لم يدخلها الجيش، مثل درعا البلد وحيّ طريق السد، لمنع دخول مطلوبي الخدمة لهذه المناطق.
  • انتشار ظاهرة السلاح العشوائي، وخاصة في (درعا البلد، وداعل)
  • تسجيل حالات انفجار للألغام مستمرّة من مخلّفات الأعمال القتالية في مناطق متعدّدة أدّى إلى إزهاق أرواح العديد من المواطنين خصوصاً في إنخل، إبطع، علما، ومحجّة. بمعدّل وسطيّ للأشهر السابقة ما بين (٢٠ إلى ٣٠) حالة تؤدّي إلى القتل أو الإصابة، والسبب هو عودة السكان إلى مناطقهم، وعودتهم إلى أعمالهم المعتادة بالزراعة. وبشكل فعليّ في مناطق جنوب المحافظة، لم يحدث إجراءات لإزالة الألغام عدا بعض الأعمال التي ينفّذها فريق الهندسة التابع للجيش السوري، حيث يقوم خبراء للمتفجّرات بالتمشيط، ولكن ببطء؛ بسبب المساحة الكبيرة للمحافظة.
  • العمل على الكشف عن مستودعات ومقابر لعناصر النظام في داعل، إبطع، الحدود الأردنية، نصيب، الحارة.
  • سجّلت حادثة هجوم على دائرة النفوس في غباغب وهي تحوي مركز للأمن العسكري.
  • صدام بين الفيلق الخامس مع أحد قادة المجموعات التابعة لها من بلدة خربا على خلفية فصله من الفيلق الخامس، حيث تطوّر الأمر لحشود من الطرفين ينذر بحدوث صدام، ويُذكر أن البدوي هو أحد القادة الميدانيين في (فصيل شباب السنّة سابقاً)، والذي عمل على تشكيل الفيلق الخامس بتوافق مع الروس لاحقاً.
  • سجّلت ظاهرة لإعادة بعض الضباط لدعم قوام الفرقة الخامسة بالضباط وصفّ الضباط، وذلك بعد إجراء التسويات مع النظام وأخذ الموافقة على الانضمام، قُدّر العدد بـ 60 ضابطاً، ويُذكَر أنه ليس كل الضباط المنشقّين عملوا مع فصائل المعارضة في السابق.

ثانياً- التجنيد والاحتياط:

تُعدّ قضيّة التجنيد قضيّة ضاغطة على السكان في المحافظة، الأمر الذي دفع العديد من الشبان إلى الخروج هرباً باتجاه شمال سورية بطرق قد تهدّد حياتهم، ويمكن رصد الحالات التالية فيما يتعلّق بهذه القضيّة.

  • تمّ تمديد التسويات لأكثر من 115 ألف شخص في كل من درعا والقنيطرة حسب خليّة الأزمة لمدة سنة، شملت المدنيين.
  • بعد تمديد التسويات لم يسجَّل سحب للمطلوبين، وإنما تبليغات للالتحاق من خلال أقاربهم الموجودين بمركز المحافظة والمدن في الجنوب، وتمّ تبليغ عدد جديد من خلال المخاتير والمخافر مع ظهور قوائم احتياط جديدة، حيث رُصد أكثر من 3000 تبليغ، مع وجود أسماء معتقلين وضحايا بين الأسماء الموزّعة على المحافظة.
  • استمرار سحب المجنّدين، سُجّل في الكرك 30 شخصاً، والكرك والحراك ومحجّة، ومناطق أخرى بأعداد متفاوتة.
  • لوحظ إعطاء مهلة 15 يوماً للعائدين من خارج سوريا لمراجعة شعبة التجنيد، لاستخراج الأوراق الرسمية، مثل الهوية الشخصية ودفتر الجيش وترتيب أوضاعهم للسَّوق.
  • انتشار ظاهرة تجنيد لصالح حزب الله ولواء القدس، حيث سُجّل تجنيد ما يقارب من 250 شخص من اللجاه تحت إشراف أحد قياديّي الجيش الحرّ سابقاً.
  • وتمّ رصد التحاق منشقّين للجيش بعدد 50 من المنطقة الشرقية، ومن داعل وما حولها 200، مع الإعداد لالتحاق دفعة جديدة من نوى تتجاوز 309 أشخاص، ويتمّ تسجيل الأسماء بالفرقة الحزبية، وترتيب إجراءات السَّوق بالتنسيق مع الأمن العسكري.

ثالثاً- الوضع الاقتصاديّ والمعيشيّ:

يسير الوضع المعاشيّ للمواطنين في المحافظة باتجاه الانحدار مع غياب منظمات دولية كانت تدعم مناطق الجنوب في السابق، والاكتفاء بعمل الهلال الأحمر فرع درعا والكنيسة في حوران، بالإضافة لبعض الجمعيات المحلية.

  • نقص في مادة الطحين والخبر بأغلب المناطق حتى مناطق النظام، وتحديد مخصّصات للفرد الواحد بمعدّل رغيفين أو ثلاثة حسب العمر في بعض المناطق.
  • ارتفاع الأسعار نتيجة ارتفاع كلفة الإنتاج والنقل، ونقل البضائع للدول المجاورة وخاصة الأردن.
  • إصدار بطاقات للآليّات والسيارات المرخّصة؛ لتزويدها بالوقود حسب حساب خاص ومحدّد خلال الشهر، وبسعر تحدّده الحكومة (وهو سعر منخفض عن أسعار السوق السوداء)، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع أسعاره، وصعوبة الحصول على المواد الخاصة من المحروقات.
  • كما ان ازدياد الطلب على مادّتي الغاز والمازوت للتدفئة، أدّى لارتفاع الأسعار بشكل كبير، حيث وصل سعر أسطوانة الغاز 8000 ليرة مع ندرتها، وليتر المازوت تخطّى 450 ليرة.
  • الضغط على المواطنين لتسديد التزاماتهم من مياه، وكهرباء وهاتف عن السنوات الماضية، واشتراط الحصول على براءة الذمّة من الدوائر في أغلب المعاملات الحكومية.

وأخيراً، لا يزال يشكّل الوضع القانوني للمواطنين والمواطنات في المحافظة حالة ضاغطة على السكان، حيث يتمّ تجيير الحصول على الوثائق لصالح أجهزة الأمن، كما تشكّل البلاغات الصادرة تجاه حجز أملاك بعض القيادات المحلية والناشطين حالة توتّر رغم قيام المعنيين بتسويات في السابق. ومن الظواهر الأخرى التي لاتزال في المحافظة هي استمرار ظاهرة الكتابات المناهضة للنظام على الجدران في بلدتي الكرك وأم ولد، وفي جاسم ونوى والحراك ومعربة، وتمزيق صور لرموز السلطة في داعل.