يصرخ رحيم من سكان بلدة الشيفونية في الغوطة الشرقية: “إن مايحدث اليوم حرب عالمية على كامل الغوطة، أين المفرّ؟! أين نذهب؟! الغوطة بأكملها تحت القصف، ونحن محاصرون منذ أكثر من أربع سنوات، كيف أنجو بعائلتي وأطفالي، وأنا لا أستطيع الهرب والتنقّل في الشوارع، فجميع المنطقة مستهدفة. اليوم فقط استهدفت بلدة الشيفونية ب 22 غارة جوية، إننا لا نستطيع أن نحصي القتلى والجرحى، كل شيء معطّل! الدفاع المدني عاجز والمنظمات اختفت، وكل شخص وأسرة تبحث عن مخرج لوضعها أو إيجاد مكان في قبو أو ملجأ بسبب الازدحام”.
قصة رحيم هي قصة من آلاف قصص المدنيين التي تحدث الآن في الغوطة الشرقية الواقعة شرق جنوب العاصمة دمشق، والتي يقطنها ما يقارب من 400 ألف نسمة، ويخضعون لحصار خانق من قِبَل القوات الحكومية منذ ما يقارب من أربعة أعوام.
يعاني المدنيون المحاصرون في الغوطة الشرقية من أوضاع إنسانية صعبة؛ بسبب شحّ الموارد الإغاثية والطبّية والكوادر المختصّة بشكل عام خلال الأعوام الماضية، حيث زاد الأمر سوءاً الحملة العسكرية التي بدأت يوم الأحد الماضي (18شباط 2018)، التي وصفها شهود عيان بانها الأشرس والأكثر تدميراً، مع استخدام كل أنواع الأسلحة الثقيلة والطيران الحربيّ والبراميل المتفجّرة وراجمات الصواريخ والتمهيدات المدفعية؛ والذي ينذر بكارثة إنسانية، هي الأعنف من نوعها التي ربما تشهدها سوريا.
وصفت السيدة ل.م من بلدة سقبا التي تتعرّض للقصف: “الأرض تهتزّ من شدّة القصف، والمنازل تنهار فوق بعضها وتغلق الشوارع، ونحن مختبئون في زاوية أحد المنازل، لا نعرف أين نهرب، فرشنا بعض الأغطية، وأطفالي يرتجفون من البرد والخوف، نحاول أن نروي لهم القصص لنخفّف عنهم، ونلهيهم عمّا يدور في الخارج، ابنتي حالين تئنّ من التعب والخوف، وقلبها متعب، وطفلي الآخر نائم على رجلي، أراقبهما وأهرب بين تفاصيل وجهيهما، كيف ساشرح معاناتي وكل حروف الأبجدية لاتستطيع أن تعبّر عن حالتي وتصف مشاعري، أنا في مكان وأهلي وأخوتي وأخواتي في مكان، لا أستطيع أن أطمئنّ عليهم أو أتواصل معهم، أحاول لكن دون جدوى، رغم المسافة القريبة بيننا، والوضع أكثر من صعب، ومع كل غارة للطيران أحتضن أطفالي وألفظ شهادة الموت”.
ازدادت وتيرة العمليات العسكرية خلال 19/21 شباط 2018، حيث ركّز النظام السوري وحلفاؤه على استخدام الطيران الحربي والمروحي، وكانت النتيجة:
- خروج ثلاث مشافي من أصل 6 عن الخدمة بشكل كامل؛ أهمّها مشفى عربين الذي يُعتبر الأهمّ في الغوطة من حيث التجهيزات، ومشفى الأمل بحمورية ومشفى سقبا .
- أدّت هذه الاستهدافات إلى سقوط أكثر من 150 ضحية و400 جريح، جميعهم من المدنيين (الأطفال والنساء)، وأغلبهم في القطاع الأوسط للغوطة في (عربين وحزة ودوما وحرستا وبلدة المرج ومسرابا).
- شلل كامل للخدمات والجمعيّات والمنظمات، وأيضاً سقوط ضحايا من العاملين فيها، ونقص حادّ بالمواد الطبّية والإغاثية حتى قبل البدء بالعملية العسكرية والاستعداد لها بإغلاق جميع المنافذ والطرق الإنسانية .
- السكان المحاصرون يعيشون حالة هلع وخوف شديدين؛ لأن وضع الغوطة الشرقية مختلف عن جميع المناطق التي شهدت معارك، بسبب حصار النظام وميليشياته للمنطقة، وإغلاقها بشكل كامل، وعدم وجود ممرّات أو طرق للنازحين والهاربين من المعارك، والناس تتنقّل بين الأحياء والبيوت مع كل غارة جوية، بسبب قلّة الملاجئ والمباني التحتيّة، واصرار النظام والروس على إخضاع المنطقة على ما يبدو بحسب شدة ونوعية السلاح المستخدم.
كما “يروي قاسم العربيني أن تصريح وزير الخارجية الروسي لافروف أكثر ما يرعبنا ويرعب بقية المحاصرين، عندما صرّح أن وضع الغوطة الشرقية ربما سيكون مشابه لوضع أحياء حلب التي كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة، أي معركة طاحنة وتدمير المنطقة فوق رؤوسنا، ورؤوس أطفالنا”.
وعليه إن المنصة المدنية السورية تدعو:
- الأمم المتحدة ومجلس الأمن لاجتماع عاجل، للضغط على النظام السوري وحليفه الروسي لوقف الحملة العسكرية.
- فتح طرق تحت إشراف الأمم المتحدة؛ لاخراج الجرحى والمصابين ونقلهم إلى مناطق آمنة.
- السماح للهلال والصليب الأحمر بإدخال المواد الطبّية والإغاثية.
- السماح للنساء والأطفال بالخروج من مناطق العمليات العسكرية، وضمانات بعدم التعرّض لهم.
- العمل على إحياء الهدنة من جديد تحت إشراف دولي.
- العمل على إخراج المدنيين الراغبين بالخروج من مناطق العمليات العسكرية، ونقلهم إلى مناطق أكثر أماناً.