29 أيلول 2017

أزمة لجوء السوريّين في لبنان تُعدّ إحدى الأزمات التي يعاني منها لبنان نتيجة أعداد السوريّين الكبيرة التي تدفّقت على لبنان، وعلى السوريّين نتيجة عدم حصولهم على أدنى مقوّمات طالب اللجوء ابتداءً من صفة اللاجئ وانتهاءً بالحصول على الحقوق الأساسية.

يحاول هذا التقرير تلخيص الوضع العام للاجئين السوريّين في لبنان، ويناقش خيارات اللاجئين المحدودة في ظلّ تصاعد الحديث عن موضع إعادة اللاجئين إلى سورية.

أوّلاً- التوزّع الجغرافيّ للاجئين:

  • شهدت الأراضي اللبنانية موجات لجوء واسعة خلال فترة الاحتجاجات الشعبية التي قوبلت بقمع النظام السوري، حيث كانت مصادر اللجوء بشكل أساسي من المناطق المحاذية للحدود اللبنانية من حمص، ومن ريف دمشق بالإضافة لتوافد آخرين من مناطق أخرى من سورية انتهى بهم المطاف في رحلة لجوء في لبنان.
  • تمركز اللاجئون السوريّون في لبنان بجوار المناطق الحدودية مع سورية؛ في مناطق طرابلس وقراها، ومنطقة البقاع وأكثر المخيّمات السورية موجودة في هذه المناطق، يختلف حجمها وعدد القاطنين فيها حسب مساحة الأرض المستأجرة وسعر الإيجار للخيمة، بالإضافة لعامل الأمان من حيث المداهمات والسماح بالعمل والتجوّل.
  • في نهاية 2015 بدأ الجيش والأمن العامّ اللبناني بإصدار قوانين لنقل بعض المخيّمات أو إزالتها كما أصدر قراراً بمنع بناء أي خيمة جديدة بدون إذن خطّي.

ثانياً- الوضع القانوني للاجئين في لبنان:

  • تتجاوز نسبة الذين لا يحملون أوراقاً ثبوتية 50 % من اللاجئين السوريّين حيث أن العديد دخلوا لبنان بدون أوراق ثبوتية بسبب ما كانوا يعانونه من قصف وتهجير، ولبنان تتّهمهم بالدخول خِلسة ولا تعمل على تسوية أوضاعهم مع أن دخولهم لا يعتبر خِلسة، كون صفة اللجوء في القانون الدولي تفترض دخولهم بطريقة غير شرعية إلى الحدود، لاعتبارات متعلّقة بالحفاظ على حياتهم وحياة عائلاتهم.

فضلاً عن أن الكثير من اللاجئين فقدوا أوراقهم الثبوتية خلال الحرائق التي تشتعل في المخيّمات في فصل الصيف . وأيضاً  عدم وجود آلية لتسجيل الوقوعات المختلفة (ولادات، وفيات، زواج، طلاق) حيث لا يجرؤ الكثير من اللاجئين على الذهاب إلى السفارة السورية، أو لا يملكون التكاليف المالية لهذه الأمور.

  • هنالك تغيّر مستمرّ في القوانين التي لها علاقة بإجراءات استصدار الإقامة في لبنان؛ ففي عام 2015 تغيّرت إجراءات الحصول على إقامة في لبنان، فبعد أن كانت مجانية أصبحت تكلّف 300.000 ليرة لبنانية للفرد (أي ما يعادل200. $ أمريكي) لاحقاً استُثني الأطفال دون 12 سنة من الرسوم، وتبع هذا العديد من تغيّر الإجراءات، فمرّة يُعفى حاملو أوراق المفوضية العليا لشؤون اللاجئين من الرسوم، وتارة يُسمح للاجئين الفلسطينيين السوريين بالحصول على إقامة قانونية بنفس الشروط التي يحصل عليها السوري المسجّل،

بعد هذا تمّ إصدار قرار ينصّ على أن التسجيل لكل من لا يحمل ورقة من المفوضية يجب أن يحصل على عقد إيجار أو كفيل مع تعهّد عدم عمل، وبكل هذه الإجراءات يتعرّض الكثير من السوريين للاستغلال، فهناك من لا يقبل أن يستصدر لك عقد الإيجار إلا إذا دفعت رسوم البلدية التي لم يدفعها لأعوام أو يُطلب مبلغ يصل 1000 دولار لتسجيل عقد إيجار ويتراوح المبلغ الذي يأخذه الكفيل لصالحه من اللاجئ لكفالته بين 300 دولار و 7000 دولار

وفي النهاية وحتى لو تمّ إكمال كل الاوراق المنصوص عليها بالقانون المعمول به يبقى رفض أو قبول طلب الإقامة كيفيّ نوعا ما؛ فيمكن أن يتمّ رفض طلب الإقامة بدون توضيح المبرّرات.

  • شطب قوائم اللاجئين من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بشكل سنوي تحت ضغط الحكومة اللبنانية.

ثالثا- الوضع الاقتصادي. 

  • صدر في 2015 قانون يمنع اللاجئ السوري من العمل في لبنان، وحُدّدت فئات العمل بالمهن الحرّة (بناء، نظافة، زراعة).
  • يكلف عقد العمل بين 1000 و1800 دولار وليس من المضمون الحصول عليه حتى لو استُكملَت كافة الأوراق
  • يعمل معظم اللاجئين السوريين في السوق السوداء بكثير من المهن ممّا يعرّضهم للاستغلال؛ وكأمثلة عن ذلك:
  • يُجبر الكثير من اللاجئين على العمل بالسخرة أو بمبالغ زهيدة لدى صاحب الأرض الذي يستأجرون خيامهم فيها.
  • يُفرض على اللاجئين اصطحاب زوجاتهم وأبنائهم للعمل معهم بدون مقابل.
  • تضطرّ الكثير من النساء للعمل بسبب عدم وجود معيل في أعمال شاقّة.
  • يعمل الأطفال بظروف قاسية ودون أي إجراءات حماية في الأراضي الزراعية بحمل كمّيات لا تتوافق مع أعمارهم ولساعات طويلة، وكذلك الأمر في مجالخ الحجر و مناشر الحديد ومناجر الموبيليا.
  • يُسجّل بشكل دائم حالات اتّفاق على أداء العمل مقابل مبلغ محدّد، لكن يحدث ألّا يلتزم ربّ العمل بهذا العقد؛ فإمّا أن يقوم بطردهم فور انتهاء العمل أو أن يتمّ تغيير المبلغ بدون الاتّفاق مع العامل، الأمر الذي يضطرّ اللاجئين للسكوت تحت التهديد بإخبار البلدية أو المخفر كونهم يعملون بشكل غير قانوني.
  • يتقاضى اللاجئون السوريون أجور عمل باليوم بشكل تقريبي بين 5000 ليرة لبنانية و 15000 ليرة لبنانية فيما يتقاضى العامل اللبناني 30000 ليرة لبنانية عن نفس المهمّة.

رابعاً – الوضع التعليمي.

يُعدّ الوضع التعليمي من أهمّ الإشكاليات الكبرى التي يعاني منها اللاجئون السوريون في لبنان، حيث حُرِم آلاف الأطفال من التعليم الأساسي، إذ لم تُوضَع خطّة لتعليم الأطفال السوريين إلا في العامين الأخيرين وتُعتبر هذه الخطة قاصرة لعدّة أسباب:

  1. الكثير من الأطفال لا يملكون أوراق ثبوتية أو إقامة نظامية في لبنان.
  2. تُعدّ مصاريف المدرسة حتى الحكومية غالية جداً بالنسبة لوضع السوريين.
  3. دمج جزئي للأطفال السوريين في الدوام الصباحي للمدارس غير آخذين بعين الاعتبار اختلاف المنهاج التعليمي السوري واللبناني، بالإضافة إلى اعتماد المنهاج اللبناني على اللغتين الإنكليزية والفرنسية اللتين تعتبران مادّتين متمّمتين في المنهاج السوري، وقد أتبع جزء آخر من الأطفال السوريين بدوام مسائي تتراوح مدّته بين 2:30 ساعة و 3:30 ساعة بناء على قرار من المدرسة وهذا لا يُعتبر كافياً لإعطائهم المنهاج الدراسي، وتظلّ المدارس اللبنانية حتى اللحظة قاصرة عن إدماج كل الأطفال السوريين بخطّة تعليمية شاملة لكل الأطفال.
  4. التعامل الكيفيّ مع هذا القرار حيث ترفض بعض المدارس الحكومية تسجيل الأطفال السوريين.
  5. التعامل العنصريّ من قِبل بعض المدرّسين والكوادر التعليمية في بعض المدارس مع الأطفال السوريين.
  6. عدم إعطاء صفة شرعية لمراكز التعليم التي نتجت كمبادرة من قبل العديد من الجهات لسدّ الاحتياج التعليمي، فلا يُسمح لطلابها بالتقدّم للامتحانات الرسمية الإعدادية والثانوية.

خامساً- إعادة اللاجئين في لبنان إلى سورية:

يعدّ اللاجئون السوريّون في لبنان هم الحلقة الأضعف في التعرّض للكثير من الأحداث والصفقات السياسية والعسكرية التي كانوا هم ضحيّتها، وهم الخاسر الأكبر فيها. حيث تشير الأحداث، وبعض التصريحات من مسؤولين في الحكومة اللبنانية للعزم على إعادة اللاجئين السوريين إلى لبنان، حيث تمّ تسجيل حادثتين خلال عام 2017 من أهمّها:

  • عمليّات لإعادة مجموعتين من اللاجئين وصل عددهم إلى 88 عائلة إلى سوريا؛ بتيسير من الجيش اللبناني مع وجود تكتّم كبير عن تفاصيل عملية النقل، وحدثت هذه الحادثة عبر وسطاء محلّيين داخل المخيّمات، الذين بدؤوا ينشطون بين اللاجئين لإقناعهم بالعودة تحت الترغيب أو الترهيب من غير وجود أي تفاصيل عن الجهة التي تقف وراء هؤلاء الوسطاء.
  • أمّا أبرز الصفقات التي تمّ بموجبها نقل لاجئين من لبنان إلى سورية؛ فهي صفقة حزب الله والنظام السوري مع جبهة النصرة وداعش من جهة أخرى والتي أثارت الكثير من التحفّظات ليس فقط لدى اللاجئين السوريين بل أيضاً لدى الجهات اللبنانية والدولية لعدّة أسباب أهمّها :
  • عودة اللاجئين إلى مناطق غير آمنة.
  • خرق الاتّفاق الذي يضمن عدم سحب الشباب للخدمة العسكرية أو فرض انخراطهم بأي فصيل مسلّح في المناطق التي سينقلون إليها.
  • رفض فكرة إجراء صفقات مع داعش وجبهة النصرة من قِبل الدولة اللبنانية واعتبار حزب الله يتصرّف فوق إطار الدولة والقانون.

إن موضوع إعادة اللاجئين السوريين من لبنان إلى سورية يشوبه الكثير من القضايا الحسّاسة التي يجب التعمّق في معرفتها، حيث إن أي عودة طوعية للاجئين السوريين، ستكون حتماً مُرفَقة بضغط من الظروف والإجراءات التي تُتّخذ للتضييق عليهم. وبالإضافة لما تمّ ذكره أعلاه؛ نجد:

  • موضوع احتراق المخيّمات في فصل الصيف ووقوع ضحايا يُعدّ أمراً متكرّراً من غير أخذ الحكومة اللبنانية أي إجراءات للحدّ من هذه الحرائق.
  • المداهمات الدائمة والاعتقالات التعسّفية المستمرّة تعدّ من أكبر هواجس اللاجئين السوريين في لبنان.
  • ارتفاع الاعتداءات المتكرّرة وخطاب الكراهية حادّ النبرة والتحريض على اللاجئين بدون محاسبة.
  • المساعدات التي يتلقّاها اللاجئون السوريّون في لبنان مساعدات غير منتظمة، ما يجعل وضعهم المعيشيّ سيئ للغاية.
  • عدا عن آجارات المنازل المرتفعة في المنازل، يدفع اللاجئون السوريّون الذين يقطنون الخِيَم آجاراً للخيمة يتراوح بين 000 ليرة لبنانية و 450.000 ليرة لبنانية.

وبالنظر لوضع اللاجئين السوريين في لبنان، ومن خلال اللقاءات التي أجرتها المنصة المدنية السورية معهم، فنجد أن الخيارات منحصرة بالتالي:

  • معظم اللاجئين السوريين لا يرغبون بالبقاء في لبنان حيث يعتبرون ظروف الحياة قاسية جداً، ولا مستقبل لهم ولأطفالهم، ويظلّ الهاجس من العنصرية والاعتداء هو الهاجس الأكبر لهم، لهذا فإن معظم اللاجئين السوريّين الذين يعتقدون أن الحرب ستمتدّ إلى سنوات طوال، فإنهم يفضّلون مغادرة لبنان اليائس منهم، واللجوء إلى أوروبا، أمّا الذين يأملون أن تنتهي الحرب قريباً فإنهم يفضّلون العودة إلى سوريا، إلا أن المبادرات الحالية لإعادة اللاجئين السوريّين إلى سوريا تندرج تحت ضغوط كبيرة، منها تضييق الحكومة اللبنانية على العمل، والتنقّل، وزيادة العنصرية.

في حين أن العودة إلى سوريا تشعل هواجس لا حصر لها من بينها الخوف من القصف والاعتقال والخطف والتغييب القسريّ والخوف من سحب الشباب إلى الجبهات من قِبل الأطراف المتصارعة، حيث أنه لا توجد أي ضمانات لحماية اللاجئين بحال عودتهم، ويُضاف إلى كل ذلك البيوت المدمّرة لغالبية اللاجئين، وعدم وجود مراكز إيواء مجهّزة، الأمر الذي يدفع اللاجئين للمطالبة في حال أُجبروا على العودة بضمانات دولية لحمايتهم وعدم سحب أبنائهم إلى الخدمة العسكرية وتأمين كافة الخدمات الأساسية لتكون العودة آمنة وطوعيّة وتحفظ لهم كرامتهم.

  • أمّا السيناريو الثاني المطروح والذي يقول ببقاء اللاجئين السوريين في لبنان، وهو الحلّ الذي لا يتمسّك به اللاجئون السوريّون إلا بشكل آني ريثما تتوقّف الحرب في سوريا، فيزيد من صعوبته تزايد الانتهاكات بحقّ اللاجئين واستخدامه كوسيلة لنشر الخوف بين اللاجئين وترهيبهم زيادة شعورهم بعدم الأمان، كما يزداد التضييق عليهم وخصوصاً بالاستحصال على الإقامات، وفي العمل والتنقّل بصورة شرعية كما أن ضعف المساعدات الإنسانية يزيد من صعوبة حياتهم خصوصاً، حيث أن الحكومة اللبنانية لا توفّر الخدمات الأساسية، وهنا يجب التأكيد على حماية اللاجئين السوريّين وتسوية أوضاعهم، وتسهيل استحصالهم على الإقامات، والسماح لهم بحقّ العمل وحقّ المحاسبة على العنف الذي يواجهونه والخطاب العنصري الذي يتعرّضون له.
  • أمّا اليائسون من أيّ حلّ جيّد على المستوى المنظور، والذين يسافرون عن طريق طلبات اللجوء للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة العالمية، أو الذين يسافرون بطرق غير مشروعة، فيبقون مجموعة قليلة جداً بالنظر لعدد اللاجئين السورييّن في لبنان، تحصل على خلاص فرديّ ولا يمكن اعتباره حلّاً جماعياً يشمل اللاجئين السوريّين في لبنان.

لتحميل الورقة بصيغة PDF من هنا

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *