مع مطلع عام 2019 أدّت العمليات العسكرية البينيّة بين الفصائل المسلحة المعارضة، الأمر الذي استدعى المنظمات الداعمة لاتّخاذ قرار مفاجئ في تعليق أعمالها وأنشطتها، وإيقاف دعمها المقدّم لشركائها المحليين؛ على الرغم من إعلان حكومة الإنقاذ ببيان رسميّ عدم تدخّلها في عمل منظمات المجتمع المدني. تحاول هذه الورقة رصد تأثير قرار إيقاف الدعم على الوضع الإنساني في المحافظة.

أوّلاً: مقدّمة:

تضمّ محافظة إدلب والأرياف المتّصلة بها (ريفي حماة، وحلب) ما يقارب من 3.5 مليون نسمة، منهم 1.5 مليون نازح[1]، ويُذكر أن هذه المنطقة شكّلت وجهة لكل موجات التهجير التي تمّت مؤخّراً وفق اتّفاقات مع النظام وفصائل المعارضة في كل من درعا والغوطة وريف دمشق وريف حمص.

قامت العديد من المنظمات بعد توسّع سيطرة هيئة تحرير الشام على المحافظة بتعليق دعم العديد من المنظمات والدعم المقدّم، حيث أعلنت منظمة GIZ الألمانية، ومنظمة nova الداعمتين للقطاع الطبّي في الشمال السوري تعليق دعمهما.  كما توقّفت منظمة Expertise France عن دعمها للقطاع الطبّي، وأيضاً منظمة LDO علّقت أعمالها الداعمة للمجالس المحلية في المحافظة.

ثانياً- تأثير إيقاف الدعم على القطاع الطبّي:

أدّى إيقاف الدعم عن القطاع الطبّي إلى توقّفت أكثر من 179 نقطة طبّية من مشافي، ومراكز طبّية، بالإضافة إلى بنك دمّ، حيث توقّف الدعم عن رواتب الكادر الطبّي، والأدوية والمخابر والمعدّات الطبّية.
ويذكر أن قامت كلّ من:
– الوكالة الألمانية للتعاون الدولي بتعليق عملها، والذي يغطّي 47 منشأة في كل من ريف حلب الجنوبي والشمال السوري.
– الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID تغطّي 28 منشأة.
– أوسم: والتي تأثّرت بإيقاف الدعم، ولكن استمرّ كادرها بالعمل بشكل تطوّعي.
– الافادا: حوّلت دعمها من القطاع الطبّي إلى القطاع الزراعي.
ريليف: أوقفت عملها في المشافي الكبيرة، وحوّلت دعمها للمراكز الصحّية الصغيرة.


أكّد الدكتور عبد (موظّف في UOSSMالعامة في الشأن الطبّي) توقُّف الدعم الطبّي عن منظمته العاملة في المجال الطبّي من منتصف الشهر الأول، وأنهم مازالوا مستمرّين في العمل، ولكن بشكل تطوّعي مع نقص شديد في الأدوية والمعدّات الطبّية.

أثّر هذا التوقّف على السكان المستفيدين في شمال غرب سورية، (والبالغ عددهم ما يقارب من 300 ألف مستفيد شهرياً بحسب مديرية صحّة إدلب) والذين يعتمدون بشكل شبه كلّي على الخدمات الطبّية المجانية التي تقدّمها المنظمات العاملة والمشافي التي تتلقّى الدعم، وهذا التوقّف لدعم القطاع الطبّي لم يستثنِ النساء الحوامل والأطفال، إنما يعدّون من المتضرّرين أيضاً بقرار إيقاف الدعم.
كما أن توقّف النقاط الطبّية اضطرّ الكثيرين للسفر مسافات بعيدة، وتحمّل عنائه والمخاطر الأمنية للوصول إلى أقرب نقطة طبّية تعمل للحصول على العلاج.

ثالثاً- تأثير إيقاف الدعم على القطاع الإغاثيّ:

وأيضاً تعليق أو إيقاف ما يقارب من (44) منظمة إغاثية مشاريعها في المخيمات على الحدود السورية التركية (تجمّع الكرامة، مخيمات أطمة، تجمّع عطاء، مخيمات غرب سلقين (عائدون، قادمون، صامدون)، مخيمات حماة، مخيم دير بلوط، بالإضافة إلى مخيمات عشوائية غير مسجّلة)؛ أثرّ بشكل كبير على السكان الذين يعتمدون بشكل شبه كلّي على الدعم المقدّم من: (سلل إغاثية، وقسائم مالية، ووجبات غذائية، وسلل صحّية، وطحين)، حيث قامت حوالي 44 منظمة إغاثية بإيقاف أعمالها بأوقات مختلفة.


أحمد نازح في مخيمات النزوح في أطمة، أكّد توقّف المعونات الغذائية والمساعدات الإنسانية المقدّمة لهم مع بداية 2019 في وقت هم بأمسّ الحاجة للمساعدة ممّا أدّى إلى تدهور الوضع الإنساني في المخيّم.


رابعاً- تأثير إيقاف الدعم عن المجالس المحلّية الخدمية:

توقّف عدد كبير من المجالس المحلّية عن أداء دورها بتوفير الخدمات للمواطنين، بعد توقّف الدعم عن مجالسهم، بعد تعليق عدد من المنظمات المانحة عملها منها منظمة LDO، التي تقدّم رواتب للعاملين في المجالس المحلّية.

خامساً- تأثير إيقاف الدعم عن القطاع التعليميّ:

يُعتبر القطاع التعليميّ بعد الحرب التي عانتها المنطقة من أكثر القطاعات تضرّراً، وخاصة في مخيمات النزوح في الشمال، وحسب إحصائيات مؤسّسة إدارة المخيمات لعام 2018 إن عدد المدارس في تلك المخيمات لا يتجاوز 45 مدرسة في 1039 مخيّم. حيث لا تلبّي هذه المدارس كافة الاحتياجات التعليمية للطلاب، بالإضافة إلى وجود مناطق مهمّشة تعليمياً بشكل كامل.

ومع توقّف عدد من المنظمات الداعمة للتعليم ازداد الوضع سوءاً، حيث علّقت كل من: (سيريا ريليف، رحمة بلا حدود، كرم، بنفسج، أورنج، وطن، قبس، غصن الزيتون) أعمالها بالشمال لمدّة شهر، واستأنفته بعد ذلك، الأمر الذي زاد من المخاوف لدى السكان في المنطقة.


خالد، وهو مدرّس في أحد مدارس جبل الزاوية؛ أكّد أن توقّف الدعم عن مدرسته التي تحوي أكثر من 570 طالب و27 مدرّساً أثّر كثيراً على العملية التعليمية للطلاب، وقال: نحن مازلنا مستمرّين بالعمل بشكل تطوّعيّ، ولكن بعض المدرسين غير قادرين على المتابعة؛ ممّا تسبّب بوجود نقص كبير في الكوادر التعليمية.


وأخيراً: ترى المنصّة المدنية أن مسألة إيقاف الدعم عن القطاعات الأساسية من صحّة وإغاثة وتعليم، المتضرّر الأول منه هو المدنيّون، وأيّ إيقاف في أي قطاع من القطاعات سيترتّب عليه أزمة إنسانية في الشمال السوري؛ وعليه:

  • نطالب الحكومات المانحة والمنظمات الدولية باتّخاذ خطوات تجاه إعادة الدعم للقطاعات الأساسية، واتّخاذ إجراءات مناسبة لضمان إيصال المساعدات للمدنيين في شمال غرب سورية، باستثناء إيقاف الدعم أو تخفيضه.
  • كما نطالب جميع المنظمات الدولية استمرارها في ممارسة دورها الإنسانيّ، وعدم ربط عملها بالمتغيّرات السياسية والعسكرية.
  • كما نطالب صندوق الأمم المتحدة باستمرار وزيادة الدعم المقدّم نظراً لازدياد الكثافة السكانية في محافظة إدلب، خاصة بعد عمليات التهجير الأخيرة.
  • ونطالب الأطراف المحلّية بعدم التدخّل في عمل المنظمات، والسماح لها بممارسة نشاطها بحرّية من أجل تلبية احتياجات السكان الإنسانية.