26‏ نيسان‏، 2020

تزيد التّخوفات في مناطق الشّمال الغربيّ لسوريا أكثر من غيرها من المناطق، لعدّة أسبابٍ على رأسها تهالك القطاع الصّحيّ بفعل الاستهداف الحربيّ في السّنوات الماضية، إضافةً إلى عدم وجود هيئة صحةٍ قويةٍ تقوم بالإشراف وإدارة القطاع الطّبّيّ، واقتصاره على المنظّمات الإنسانيّة الّتي تقوم بتمويل المشافي والمراكز الصّحيّة.

لم تسجّل أيّ إصابةٍ بفيروس كورونا المستجد كوفيد19 في الشّمال الغربيّ حتّى ساعة إعداد هذا التّقرير، حيث أعلنت وزارة الصّحة في الحكومة السّوريّة المؤقتة بتاريخ 14/14/2020 بأنه تمّ اختبار 154 عيّنةٍ مشتبهٍ بإصابتها بفايروس كورونا المستجد covid19، وكانت جميع النّتائج سلبيّةً، ولم تسجّل أيّ إصابةٍ حتّى تاريخه، وأكّدت الوزارة على ضرورة أخذ جميع الاحتياطات اللازمة للوقاية من الفيروس.

نحاول في هذا التّقرير توصيف القدرات الصّحيّة في مناطق شمال غرب سوريا، إلى جانب الإجراءات الاحترازيّة المتّخذة والاحتياجات المطلوبة لمجابهة تفشي الوباء.

أولا- البنية الطّبّيّة في شمال غرب سوريا:

في أواخر الشّهر الماضي، أرسلت منظّمة الصّحة العالميّة WHO، 300 عيّنة اختبارٍ لفيروس Covid-19 المستجد، ومن بداية الشّهر الحالي، تمّ إجراء 206 اختبارٍ في مختبر إدلب المركزيّ، الوحيد في المنطقة، لحالاتٍ مشتبهٍ بإصابتها بفيروس كورونا، جاءت نتائجها جميعها سلبيّة، إلّا أنّه إلى الآن لا يوجد ما يكفي من عيّنات الاختبار لإجراء الاختبار لكلّ الحالات المشتبه بها.

تبيّن فيما يلي مديريّة صحة إدلب الإمكانيات الطّبّيّة في الشّمال الغربيّ بالتّالي:

  • عدد الأطباء في المنطقة هو (600) طبيبٍ فقط.
  • عدد أسِرّة المشافي (3065) سريرٍ.
  • عدد أسِرّة العناية المشدّدة (201) سريرٍ.
  • عدد أجهزة التّنفس الاصطناعيّ الخاصّة بالبالغين (95) جهازاً.
  • عدد أجهزة التّنفس الاصطناعيّ الخاصّة بالأطفال (30) جهازاً.
  • عدد أجهزة التّنفس الاصطناعيّ الخاصّة بحديثي الولادة (29) جهازاً.
  • عدد أجهزة CPAP (ضغط مجرى الهواء الإيجابيّ المستمرّ) 29 جهازاً.
  • عدد الأطباء في المنطقة هو (٦٠٠) أيّ كلّ ١٠٠٠٠ مواطنٍ لديهم 1,4 طبيبٍ.
  • عدد أسرّة المشافي هو ٣٠٦٥ أيّ كلّ ١٣٦٣ مواطنٍ لديهم سريرٌ في مشفىً.
  • عدد أسرّة العناية المشدّدة (٢٠١) أيّ كلّ ٢٠٧٨٨ مواطنٍ لديهم سرير عناية مشدّدةٍ.
  • عدد منافس البالغين (٩٥) منفساً.
  • عدد منافس الأطفال (٣٠) منفساً.
  • عدد منافس حديثي الولادة (٢٩) منفساً.
  • عدد ال CPAP (٢٩).
  • وما يزال العمل جارياً على إنشاء 28 غرفة حجر صحيٍّ قيد التّنفيذ.

يشير الدكتور منذر خليل مدير صحة إدلب؛ للضّعف الشّديد في الإمكانيات الصّحيّة، حيث صرّح: “بأنّ القطاع الصّحيّ في الشّمال الغربيّ يُعاني من شحٍّ في الموارد الطّبّيّة، من أطباءٍ وأدواتٍ طبّيّةٍ وأجهزةٍ، وحتّى مشافٍ، ومستوصفاتٍ ونقاطٍ طبّيّةٍ، والدّعم المقدّم عن طريق المنظّمات الدّوليّة قليلٌ ولا يغطي 10% من الاحتياجات الحقيقية للمنطقة”

ثانياً- الإجراءات الوقائيّة من فيروس كورونا:

قامت حكومة الإنقاذ بعدّة إجراءاتٍ للوقاية والحماية من فايروس كورونا المستجد covid19 منها:

  • تعليق إقامة صلاة الجمعة بحسب القرار الصّادر بتاريخ 2/4/2020.
  • إلغاء التّجمعات البشريّة الكبيرة مثل الأسواق الشّعبيّة (البازارات)، بالإضافة لإيقاف أسواق بيع الطّيور وما شابهها، مثل أسواق بيع السّيّارات أو الدّرّاجات النّاريّة بحسب القرار الصّادر بتاريخ 30/3/2020.
  • الاستمرار بإيقاف الدّوام في المدارس الخاصّة والعامّة ورياض الأطفال، والعمل بنظام التّعليم عن بعد بحسب القرار الصّادر بتاريخ 30/3/2020.
  • إغلاقٌ جزئيٌّ للمعابر.

وشهد الشّمال الغربيّ قيام العديد من المنظّمات والجمعيات والفرق الشّبابيّة والتّجمعات النّسائيّة بحملاتٍ مجتمعيّةٍ لتوعية السّكّان بخطورة فيروس كورونا، وضرورة التّعامل بجديّة مع هذا الوباء المحتمل، متضمّنةً إرشاداتٍ لطرق الوقاية من الإصابة بالفيروس، وذلك من خلال توزيع بروشوراتٍ، والتّجوال بسيّارات تحمل مكّبرات صوتٍ، ورسوماتٍ جداريّةٍ، وندواتٍ. كما قامت العديد من المنظّمات بحملاتٍ تعقيمٍ شملت المخيمات، والأسواق، ودور العبادة، والمدارس والمعاهد، والمشافي والنّقاط الطّبّيّة، ومختلف المرافق العامّة.

وبالرّغم من هذه الإجراءات إلّا أنّها لاتزال إجراءاتٌ لا تسهم في الحدّ من انتشار الفيروس، لعدّة أسباب:

  • أولها الاكتظاظ السّكّانيّ في شمال غرب سوريا، حيث يعيش في المنطقة ما يقارب من أربع مليون نسمةٍ يتوزعون في حيّزٍ جغرافيٍّ محدودٍ، حيث ينتشر السّكّان فيها في المخيمات الّتي اكتظت بفعل العمليّة العسكريّة الأخيرة، ففي كلّ خيمةٍ يعيش أكثر من عائلتين، يُضاف إلى ذلك، افتراش الأراضي الزّراعيّة لمن لم يجدوا سكناً، ما يجعل مسألة العزل الاجتماعيّ مسألةً في غاية التّعقيد.

تحدّثت إحدى النّاشطات في مجال حقوق الإنسان وشؤون المرأة، حول الوضع في مخيمات شمال غرب سوريا، حيث قالت: “الازدحام السّكّانيّ الشّديد في المخيمات يمثل خطراً حقيقياً، حيث يقطن أكثر من نصف مليون مدنيٍّ في هذه المخيمات، في بقعةٍ جغرافيةٍ لا تتجاوز العشرة كيلو مترٍ مربعٍ، ومن الصّعب جداً أن يطبّق الحجر الصّحيّ في المنطقة، ناهيك عن الوضع الاقتصاديّ المتردّي الّذي يدفع الأهالي في المخيمات للخروج للعمل باليومية، فالبقاء في المنزل ليس خياراً“.

  • ضعف استجابة المنظّمات للحاجات الإنسانيّة الضّخمة للنازحين، وبشكلٍ خاصٍّ المأوى والغذاء والتّعليم والمياه والإصحاح، حيث لايزال قسمٌ من النّازحين دون مأوىً، أو يسكن في خيامٍ ضمن الأراضي الزّراعيّة والجبال.

(م.س) عاملٌ في مجال البناء من معرة النّعمان، نزح في بداية السّنة الحالية إلى مخيمات سرمدا، يقول ” لا نستطيع البقاء في خيمنا، أخرج كلّ يومٍ من بيتي باحثاً عن عملٍ، أيّ عملٍ، ولا يمكن أن أعود حتّى آخر النهار، ربّما أعمل في ذاك اليوم وربّما لا، إنّ أنا اخترت البقاء في الخيمة لن يأكل أطفالي، نحن أمام خيارين أحلاهما مرٌّ، ولكن لا يمكن أن ننتظر الموت في المخيم”،

  • هنالك عدم التزامٍ من قبل السّكّان باتّخاذ الإجراءات الوقائيّة الّتي تحميهم، بفعل صعوبة الوضع الاقتصاديّ؛ الّذي يضطرّهم للخروج للعمل، وبفعل عدم وجود الأدوات الكافية للوقاية من معقّماتٍ وكماماتٍ، أو وجودها بأسعارٍ باهظةٍ لا يتحملها الشّخص العادي.

الممرضة (س.ت) تتعامل يومياً مع العشرات تقول: “نحاول تحذير الأهالي بشكلٍ كبيرٍ في الفترة الأخيرة من ضرورات الوقاية وما الّذي يجب فعله، دورنا بالتّوعية لا يقتصر على النّصيحة فحسب؛ بل على الشّرح أيضاً وتقديم الموادّ المعقّمة والّتي تكاد تكون معدومةً في العديد من القرى والبلدات، نحاول قدر المستطاع ولكن للأسف الاستجابة من قبل الأهالي ضعيفةٌ”

  • أثّرت الإجراءات الّتي تمّ اتّخاذها بإغلاق الطّرقات مع مناطق السّيطرة الأخرى إلى زيادة وطأة الأزمة الاقتصاديّة، على سبيل المثال هنالك نقصٌ بالأدوية الّتي كان يأتي القسم الأكبر منها من مناطق سيطرة النّظام، تعطّل تسويق المحاصيل الزّراعيّة إلى المناطق الأخرى بفعل إغلاق الطّرقات.

تراقب المنصّة المدنيّة السّوريّة بقلقٍ شديدٍ، احتمالية تفشي الوباء في مناطق الشّمال الغربيّ، وتدعو المجتمع الدّوليّ والأمم المتّحدة إلى مساعدة الهيئات الطّبّيّة هنالك لمواجهة الوباء من خلال:

  • تأمين عيّنات الاختبار الخاصّة بفيروس كوفيد-19 المستجد بكمياتٍ مناسبةٍ لإجراء الاختبار على كلّ المشتبه بهم.
  • دعم القطاع الصّحيّ في محافظة إدلب بالأجهزة والأدوات الطّبّيّة اللازمة لمواجهة خطر الكورونا.
  • إيصال المساعدات الإنسانيّة للمخيمات، الّتي يقطنها عشرات الآلاف ممن توقفوا عن العمل في ظلّ الأوضاع الرّاهنة.

كما تناشد المنصّة المدنيّة السّوريّة السّلطات المحليّة في الشّمال الغربيّ بالقيام بإجراءاتٍ فعليّةٍ، وإيقاف المؤسّسات جميعها في الوقت الحالي بما فيها الجامعات والمؤسّسات الخدميّة غير الأساسيّة، لمنع انتشار الفيروس في المنطقة.