مع انحسار سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في سورية والعراق، تبدو محافظة دير الزور في موقف هو الأسوأ مقارنة بالمدن الأخرى. حيث أصبحت المدينة مقسمة بين قوتين رئيستين: قوات سورية الديمقراطية (المدعومة أميريكياً)، التي تسيطر على المناطق الشمالية من نهر الفرات، و النظام و حلفائه (وبشكل خاص حليفه الإيراني) يسيطرون على الجهة الجنوبية للنهر، مع بقاء جيبين لداعش أحدهما في الشمال (مدينة هجين وما حولها، وصولاً إلى البوكمال)، والثاني في الجنوب في بادية دير الزور.

حيث تُعدّ دير الزور –بهذا الوضع- منذرة بمساحة معارك جديدة في المستقبل، كما تظهر مؤشّرات السياسة الإيرانية على الأرض، إذ بمجرّد تحرير المدينة؛ بدأت إيران بتنفيذ مشاريعها الرامية إلى تثبيت سيطرتها داخل المحافظة، من خلال:

  • نشر حسينيات دينية في المحافظة والبدء بنشر المذهب الشيعي، فقد تركّز نشاط إيران في نشر المذهب الشيعي في مناطق ريف ديرالزور الشرقي (خاصة قريتي حطلة ومرّاط)، ومدينة البوكمال والمناطق المحيطة بها على الحدود السورية العراقية. يشرف على الحسينيات الشيعية شيوخ دين شيعة مرتبطين بإيران.

تحدّث أحمد ( 27 سنة ) من مدينة الميادين “أن العشرات من أهالي المنطقة اعتنقوا المذهب الشيعي، وانتسبوا إلى مليشيات عسكرية موالية لإيران في المنطقة خلال الشهرين الماضيين“.بالإضافة إلى ذلك تمّ إيجاد مكاتب خاصة للانتساب إلى المليشيات العسكرية الإيرانية أو الميليشيات المحلية الموالية لها.

  • كما عمدت إيران إلى تزوير حقائق وتواريخ لمواقع أثرية في المحافظة، وربطتها بالتراث الشيعي، كما حدث في مدينة القورية في ريف ديرالزور الشرقي، حيث قامت الميليشيات الإيرانية ببناء حسينية فوق نبع ماء “عين علي” المجاور للمدينة، مُدّعية أنه مكان “شيعي مقدّس”.
  • كما إنها تعمل على اصطفاء ولاءات بعض العشائر وأيضا الأفراد  في دير الزور بناءً على الاعتناق المذهبي الشيعي، أو الحاجة للمال، حيث تعتمد في أعمال مشروعها وسياستها على شخصيات قيادية في المحافظة كشيوخ بعض العشائر، وأعضاء في مجلس الشعب السوري.
  • حملات التشيّع الإيراني غالباً ما تعمل على استغلال الوضع الاقتصادي المتردّي للمدنيين، حيث يتمّ توزيع مخصّصات مالية شهرية لكل عائلة تعتنق المذهب الشيعي، وتقدّم مساعدات غذائية وعينية بشكل دوري لهم كوسائل إغراء لهؤلاء المدنيين ذوي الوضع الاقتصادي المتردّي.

إن هذه السياسة التي تتّبعها إيران في محافظة دير الزر ناجمة في أغلب الظنّ إلى الموقع الجغرافي للمحافظة المحاذي للعراق، حيث تحاول إيران إيجاد مرتكزات بشرية تحفظ استمرارية الطريق البرّي الذي عملت على فتحه، والذي يصلها بالبحر المتوسط ولبنان عبر العراق وسورية.

تكشف هذه السياسة نيّة إيران خلق كيان شبيه بتلك الكيانات في الدول المجاورة، كما في لبنان والعراق واليمن، بدلالة البيان الذي أعلنته قيادة “المقاومة الإسلامية في سورية”، ممثّلة بقبيلة البكارة الحسينية، و لواء الباقر (الذي يعتبر أحد القوات الرديفة للجيش السوري)؛ بدء العمليات العسكرية ضد “القوات الأميركية و الكردية” في مناطق شمال شرقي سورية، وجاء في  البيان الذي أصدره اللواء؛ “نزفّ لكم بشرى عن بدء العمليات الجهادية ضدّ قوات التحالف الدولي بقيادة أميركا ومن يتحالف معها في سورية“. وتوعّد البيان القواعد الأميركية و قوات الجيش التركي في شمال سورية بأنها “ستكون تحت مرمى نيران المقاومين الأبطال في قبيلة البكارة ولواء الباقر”.

بينما في الجهة المقابلة، أعلنت قوات سورية الديمقراطية أن جميع حقول النفط في محافظة دير الزور منطقة عسكرية مغلقة، وذلك بالتزامن مع وصول أرتال عسكرية ضخمة للجيش الأميركي إلى المنطقة لتعزيز تواجدها العسكري في مناطق ريف دير الزور، وأعلنت القوات الأمريكية إنشاء قاعدة عسكرية دائمة بالقرب من معمل كونيكو للغاز.

استقراءً للمؤشّرات السابقة نجد أن المنطقة، قد تكون مقبلة على حرب جديدة، سيكون المدنيون ضحاياها من جديد ولا يستطيع أياً كان أن يحدّد حجم الخسائر الذي سوف تخلّفه مثل هذه الحرب، وكم من السنوات أيضاً ستبقى مشتعلة على اعتبار أن المحرّك الطائفي يُستخدم كأساس فيها.

وفي النهاية وجب الإشارة أن سياسة التجنيد والتغيير الديمغرافية، ليست استثناء على إيران، فجميع الأطراف سعت إلى تطبيقها في مناطق سيطرتها بشكل أو بآخر، ودائماً ما كان المدنيون بين خيارين، إمّا التهجير أو التأقلم مع انتهاكات الأطراف المختلفة.

لتحميل الورقة بصيغة PDF يرجى الضغط هنا